السر
في قيمة العزة عندما تكون في معية الإسلام والمسلمين .. وأنت قد لا تدري
بقيمة ذاتك وأنت مأمور بالتواضع في حضرة رب العرش العظيم .. فتلك نعمة وهبة
نالتها الملائكة الكرام عندما أطاعوا ولم يكونوا في زمرة العاصين .. فكانت
لهم المكانة السامية ودرجات المقربين .. وهم عرفوا بأنهم لا يعصون الله
ويفعلون ما يؤمرون .. وأنت أمرك أشد في الابتلاء حيث أنت من مادة جبلت على
الرغبات وتاقت للشهوات .. ومن روح تنازع الفطرة وتسموا بالإرادة والعبادة
.. وتلك ميزة تميزك عن ملائكة فطرت على الطاعة .. فالنفس لديك لديها
رغباتها وشهواتها .. وأنت في مرحلة تلك الأمانة التي حملتها وكنت ظلوماً
جهولاً .. والمرور بتلك الأمانة عبر الامتحان والابتلاء مشقة ومكابدة ..
وتلك هي تجربة الحياة من أساسها .. وهناك العقبة .. وما أداراك ما العقبة
.. فالسعيد من أقتحم العقبة ونجح في حمل تلك الأمانة بأمانة .. ثم كان
الثمن الكبير في الآخرة عند النجاح عالياً وغالياً .. وهو جنة عرضها
السموات والأرض .. فالجنة هي سلعة الله الغالية .. لا ينالها إلا من كان في
ساحات الرضى من الله سبحانه وتعالى .. ولا ينالها إلا من عرف الله واحداً
أحداً ولم يشرك به أحد .. ولا ينال ذلك المقام إلا من خاف مقام ربه ونهى
النفس عن الهوى .. وسعى في عبادة الله مخلصاً له الدين .. ثم أجتهد في سباق
لنيل الرضى من رب غفور رحيم .. فالمسلم السليم في عقيدته دائماً وأبداً
يطمع في عفو الله ورضاه .. ويطمع في الدخول في جنته .. ويتملكه الخوف بشدة
من غضبه وعقابه وناره الموقدة .. وكل ذلك يجعل المسلم بالفطرة متواضعاً لله
خاشعاً قائماَ ساجداً .. فإذن المسلم هو قد حمل ذاك الاسم بالاستسلام لشرع
الله .. ثم أصبح في حكم ذاك المتواضع الطامع الخاشع لله .. وفي نفس الوقت
هو ذلك العزيز الطاهر الذي نال العزة عندما أختاره الله في مشيئة الهداية
.. فإذا اجتاز الصراط المستقيم وكانت موازينه قد ثقلت فقد فاز فوزاً عظيماً
.. وقد نجح في ابتلاء الأمانة .. فكان الجزاء عظيماً وكبيراً حيث الأبدية
في جنات الله .. والتمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم .. فيا لها من طاعة
أكسبت رضا الله .. ثم أسكنت صاحبها في جنات الله الغالية .. ويا له من
تواضع رفع بصاحبه إلى أعلى المقامات في شرفات الجنان .. فأصبح بفضل الله
وكرمه في معية الذين يحشرون مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ..
وحسن أولئك رفيقاً .. مقام يرفع بصاحبة إلى أعلى الدرجات بفضل تواضع لله ثم
عبادة وحمد وشكر .. ويسقط بصاحبه إلى الدرك الأسفل من النار بتكبر وتجبر
وكفر وعصيان وفسوق .. ومثل ذاك تواضع من يقول في حضرة الكبار أفضلكم على
نفسي لأنكم سبقتموني بالإيمان .. وفي حضرة الصغار يقول أفضلكم على نفسي
لأنني سبقتكم بالمعصية .. فالمسلم السوي دائماً وأبداً يرى نفسه مقصراً في
حق الله ثم يجتهد .. فلا أحد يقدر بالوفاء بكامل حقوق الله على الوجه
الأكمل .. ولكنه مطلوب بالاجتهاد والإتيان بالقدر المستطاع .. كما أنه لا
أحد يقدر على إحصاء نعم الله ولو حاول ذلك ..
وفي
نهاية هذه الحروف أسألك يا من تقرأ كلماتنا هذه بأن تدعو لنا بالمغفرة من
الله .. والسرائر فيها تلك التي ما زالت على نقائها وطهرها .. فتدعوا الله
مخلصة فتكون دعوتها غير محجوبة بمعصية أو بزلة أو برياء .. ثم هناك لحظات
الاستجابة من الله رحمة لعباده .. فقد تصادفنا لحظة من تلك اللحظات فيكون
لكم أجر الدعاء وتكون لنا ثمرة التوبة والغفران من رب غفور . ونسأل الله
جميعاً أن يدخلنا في زمرة عباده الذين خاطبهم بقوله تعالى ( يا عبادي )